كتاب الموتى المصري
كتاب الموتى ، حسب ما كان يعتقده المصريون القدماء ، هو عبارة عن مجموعة من التعاويذ التي تمكِّن روح المتوفى من التنقل في الحياة الآخرة ، و هو ليس كتابا في حد ذاته و لكنه مجموعة من النصوص الجنائزية القديمة التي كتبت خلال المملكة الحديثة ، كما أنه كتاب فريد من نوعه لأنه يحتوي على مزيج خاص من التعويذات السحرية التي يحتاجها الإنسان بعد موته . وقد تم تأليفه خصيصًا لأي شخص يشتري نسخة منه ليكون دليلا لمساعدته بعد الموت .
و بشكل عام تهدف التعويذات الموجودة في كتاب الموتى - أو نصوص الأهرام كما كانت تسمى في عصر الدولة القديمة - إلى مساعدة الموتى حديثا لشق رحلتهم عبر العالم السفلي وهو مكان محفوف بالمخاطر و مليء بالعقبات ، و يعود أصل العديد من تلك التعويذات إلى نصوص وجدت في بعض الأهرامات و نصوص أخرى في توابيت الموتى ، و على الرغم من أنه يشار إليه عادة باسم " كتاب الموتى " إلا أن اسمه الأصلي في اللغة المصرية القديمة يتم ترجمته كـ rw nw prt m hrw و الذي يمكن ترجمته أيضا على أنه ( كتاب المجيء الرابع ) أو ( كتاب الحياة المصري ) ، و يشار إليه غالبًا باسم ( الكتاب المقدس المصري القديم ) .
يقول عالم المصريات جيرالدين بينش :
" كتاب الموتى الفرعوني هو مصطلح صيغ في القرن التاسع عشر الميلادي لمجموعة من النصوص التي عرفها المصريون القدماء باسم ( تعاويذُ الذهاب إلى يومِ بعد اليوم ) ، بمعنى الإنتقال نحو الحياة الأخرى ، و بعد ترجمة كتاب الموتى لأول مرة من قبل علماء المصريات اكتسب مكانًا في الخيال الشعبي باعتباره الكتاب المقدس للمصريين القدماء . إن هذا التشبيه غير ملائم إلى حد كبير ، فلم يكن كتاب الموتى المصري الكتاب المقدس الرئيسي للديانة المصرية ولكنه كان مجرد كتيب من سلسلة من الكتيبات التي تم إنشاؤها لمساعدة نخبة من أرواح الموتى ليحافظوا على الحياة الآخرة كاملة و العيش فيها بسلام" .
تاريخ و أصل كتاب الموتى
ظهر كتاب الموتى من نقوش مصورة في لوحاتِ ومقابر الأسرة الثالثة لمصر ( من 2670 إلى 2613 ق.م ) . و بحلول الأسرة الثانية عشرة كانت هذه النقوش ، أو التعويذات مع الرسوم التوضيحية المصاحبة لها ، مكتوبة على ورق البردي و كانت قد بدأت توضع في المقابر مع الموتى . و كان الغرض من ذلك حسب ما توضح المؤرخة مارغريت بونسون " لإرشاد المتوفى و تعريفه بكيفية التغلب على أخطار الحياة الآخرة من خلال تمكينه من أخذ أشكال مخلوقات أسطورية و منحه كلمات المرور اللازمة ليتم قبوله خلال مراحل معينة من العالم السفلي" .
وفي خلال الفترة الوسيطة الأولى ، بدأ المصريون القدماء في كتابة التعويذات على التوابيت بدلا من نقشها على الأهرامات ، و لم ينتشر ذلك إلا خلال عصر الدولة الوسطى ، و تهتم هذه التعويذات بشكل أساسي بحماية البقايا الجسدية للفرعون و إنعاش جسده بعد الموت ، و تمكينه من الصعود إلى السماوات ، حيث كان الشاغل الرئيسي لفراعنة المملكة القديمة هو الاهتمام بحياتهم الآخرة .
و يعتبر كتاب الموتى المصري أقدم كتاب انتهى الينا علمه ، ولا تزال نسخة منه محفوظة في المتحف البريطاني ، وكان اعتقاد المصريين بالبعث و بعودة الروح التي كانوا يرسمونها في صورتين متقاربتين كا أو با السبب في إنشائهم لكتاب الموتى .. كما أنهم حرصوا على وضع كل الاشياء الخاصة بالمتوفى من طعام و حلي وكل ما كان يحبه في حياته معه في مقبرته حيث يمكن لروح الميت أن تأكل وتشرب منها عند عودتها إلى الجسم، وقبل سعيها إلى الحياة الأخرى .
وقد عمل المصريون القدماء أيضًا على تزويد الروح بمعرفة متقدمة حول كل ما يمكن توقعه في كل مرحلة من مراحل الإنتقال نحو العالم الآخر .
إن امتلاك الإنسان لكتاب الموتى في قبره يشبه حيازة الطالب لدفتر المعلومات في العصر الحديث حيث يمتلك جميع الإجابات التي يحتاج إليها لاجتياز الإمتحان .
و كان الهدف النهائي للفرعون هو أن ينتقل بسلام الى العالم الآخر ، لكن هذه الرحلة كانت مليئة بالمخاطر ، لذلك تحتوي نصوص كتاب الموتى على تعويذات يمكن استخدامها من أجل طلب المساعدة من الآلهة في الحياة الآخرة ، و هذه التعويذات موجودة أيضا في النصوص الجنائزية اللاحقة أيضًا . ومن المثير للاهتمام أنه إذا رفضت الآلهة الامتثال لمساعدة الفرعون فإن نصوص كتاب الموتى تقدم تعويذات يمكن للفرعون المتوفى استخدامها لتهديدهم بطاعته .
محتويات كتاب الموتى
يبين لنا كتاب الموتى العقائد الدينية التي كانت تشغل المصريين القدماء طوال حياتهم ، فلم يكن الموت لديهم جزءا لا ينفصل عن الحياة فقط و إنما كان للناس عند ذلك الوقت مفهوما آخر عن الموت و الحياة الأخرى عما نعتقده اليوم . و كتاب الموتى كان بمثابة تعاويذ و توجيهات تساعد الميت على البعث و الانتقال إلى الآخرة حيث يعيش فيها مثلما كان يعيش على الأرض ولكن بدون أمراض و لا إعياء و لا كبر في السن ، بل أيضا يكون في الآخرة رفيقا للآلهة يأكل و يشرب معهم في بعض المناسبات .
بعض من محتويات كتاب الموتى |
و حسب المعتقد المصري ، عندما يموت شخص ما كان يقوده أنوبيس إلى قاعة الحقيقة حيث سيقوم بالاعتراف بخطاياه السيئة، أو ما يسمى بـ إعلان البراءة ، و بمجرد تقديم اعترافه يجتمع أوزيريس و تحوت و أنوبيس ، و القضاة الأربعون ، و إذا تم قبول الاعتراف فإنه يتم وزن قلب المتوفى في الميزان مقابل ريشة طير ، والتي تسمى "ريشة الحقيقة" . فإذا وجدوا أن القلب أخف من الريشة حينها تستطيع الروح أن تنتقل إلى الجنة ، و إذا كان القلب أثقل فحينها يتم إلقاؤه على الأرض حيث يُلتهم من قبل إلهة الوحوش عموت و بعدها تنتهي الروح وتزول عن الوجود !
فيما يلي دعاء ورد في الكتاب يدافع به الميت عن نفسه ( و يسمى الإعتراف بالنفي ) :
" السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق . لقد جئتك ياإلهي خاضعا لأشهد جلالك ، جئتك ياإلهي متحليا بالحق ، متخليا عن الباطل ، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين ، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري ، لم أكن كذبا ولم أكن لك عصيا ، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده . إني ( يا إلهي ) لم أجع ولم أبك أحدا ، وماقتلت وماغدرت ، بل وماكنت محرضا على قتل ، إني لم أسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا ، ولم أغتصب مالا حراما ولم أنتهك حرمة الأموات ، إني لم أبع قمحا بثمن فاحش ولم أغش الكيل . أنا طاهر ، أنا طاهر ، أنا طاهر . وما دمت بريئا من الأثم ، فاجعلني يا إلهي من الفائزين " .
و كتاب الموتى يحتوي على عدة فصول ، تصف و تشير إلى الآتي :
- وقاية الميت من الشياطين والأرواح الشريرة والثعابين وغيرها
- تعرف الميت عند البعث الطريق إلى الآخرة
- تساعده على عبور بحر النار، والصعاب التي تهدده
- تسمح له بالتردد بين العالم الأرضي والعالم الآخر
- تساعده على الحياة في الآخرة
- تساعده على الحصول على الماء والغذاء وتلقي الهبات والأضحية، وعطائها في العالم الآخر
بغض النظر عن العصر الذي وجدت فيه نصوص كتاب الموتى المصري ، إلا أن فكرته الرئيسية تبقى الوعد بمواصلة وجود الإنسان بعد الموت و مروره بعدة مراحل قبل أن يصل الى المنطقة الآمنة من العالم الآخر .
التعليقات على الموضوع