الأجزاء التسعة من روح الإنسان حسب المصريين القدماء


لقد فُتن البشر بفكرة الروح الإنسانية منذ آلاف السنين ، و سعت الثقافات حول العالم إلى تفسير ماهيتها بطرق متنوعة و رائعة .

 غالبًا ما تكون الروح جانبًا مهمًا من الدين و ترتبط ارتباطًا و ثيقًا بالعالم الآخر و التناسخ و العوالم الروحية ، و هذا يعني أن مفهوم الروح جزء لا يتجزأ من العديد من المعتقدات المختلفة و أن أوصاف و تفسيرات الروح في كثير من الحالات طويلة ومعقدة.

 بالنسبة للمتدينين وغير المتدينين على حد سواء فإن الروح تظل رمزا للذات .. فقد ساد الاعتقاد في بعض الثقافات ، مثل قبائل إندونيسيا القديمة ، بأن أخذ جزء من جسد عدوهم من شأنه أن يحرمه من فرصة الانتقال إلى الحياة الآخرة و أيضا يسرق ذلك قوة روحه لتقوية تلك القبيلة أو الأسرة.

 و كان لدى المصريين القدماء أفكارهم المعقدة الخاصة حول مكونات الروح البشرية ، و شملت معتقداتهم تقسيم الروح إلى تسعة أجزاء : خات ، با ، رِن ، كا ، شوييت ، ج ب ،  آخ ، ساهو ، و سيخِم.

 اعتقد المصريون القدماء أن ثمانية من هذه الأجزاء هي أرواح خالدة ما عدا جزءا واحدا وهو الجسد الذي يُترك ليبلى ، و جميع الأجزاء لها وظائفها الفريدة الخاصة بها ، ومن خلال تحليلها فإنه من الممكن فهم المزيد حول ما كان يعتقده المصريون القدماء.

 1 - الخات أو الخا : الجسد

 اعتقد المصريون القدماء أن الشكل المادي نفسه كان جزءًا من الروح البشرية ، و سُميَ هذا العنصر الخات ، حيث مثّل السفينة التي تسكنها باقي أجزاء الروح على الأرض المادية ، و يعتبر هذا سببا من الأسباب التي جعلت التحنيط مهمًا بالنسبة للمصريين ، حيث كان الحفاظ على الجسد المادي يساهم في الحفاظ على جزء مهم من الروح.

 فبعد أن يموت الإنسان يتم تقديم القرابين لروحه عبر جسده المادي لأنه كان يُعتقد أن الروح يمكنها أن تمتص بشكل غير طبيعي الفوائد و العناصر الغذائية من القرابين ،  وكان الجسد حسب اعتقاد المصريين رابطًا لجوهر الشخص الذي سكنه ذات مرة - و هو مفهوم يظهر في العديد من التفسيرات الأخرى للروح.

2 - البا : الشخصية

 قد يكون مفهوم البا هو المفهوم الأكثر شيوعا في أفكار المصريين القدماء عن الروح كونها تتكون من جميع عناصر النفس البشرية مما يجعلها فريدة من نوعها.

روح البا عند المصريين القدماء
 في الرسومات المصرية يأخذ ( البا ) شكل طائر ذو رأس بشري وكان هو الطريقة التي يمكن أن تنتقل بها الروح بين عالم الموتى و العالم الروحي ، كما اعتقد المصريون القدماء أن البا كان دائما ينتقل بين العالمين من حين لآخر بينما كان الشخص ما يزال على قيد الحياة لكن الرحلة التي قام بها البا بين العالمين زادت بشكل كبير بعد الموت.

 و كان يعتقد أن البا يزور عالم الآلهة و العالم الروحي ، وهذا الجزء من النفس كان يتردد أيضًا على الأماكن التي أحبها المتوفي عندما كان لا يزال على قيد الحياة .

 إن فكرة أن ( البا ) يقضي بعض الوقت في الأماكن التي يحبها شخص ما أثناء حياته تشبه أيضًا بعض الأفكار الحديثة حول الأشباح و الأرواح التي بقيت في مكان كان محبوبًا لها عندما كانت على قيد الحياة.. و كان يُعتقد أيضًا أن (البا) مرتبط ارتباطا وثيقا بالجسم .

 3 -الرِن : الإسم الحقيقي

 إعتقد قدماء المصريين أنه تم إعطائهم اسما سريا عند الولادة لا يعلم به أحد إلا الآلهة وهو الرِن و كان هذا الاسم يعتبر جزءًا مهمًا و قويًا من الروح إذ أن له القدرة على تدمير الإنسان و روحه بشكل دائم. و لا يعرف الفرد المصري طوال حياته إلا لقبه وذلك حتى لا يتمكن أي شخص من تعلم الرِن الحقيقي الخاص به و اكتساب الصلاحيات السحرية التي يحتويها أو الفرصة و المعرفة اللازمة لتدمير هذا الفرد .

طالما الرِن موجودة فالروح البشرية ستكون محمية
 و طالما أن الرِن ما تزال موجودة فقد كانت لدى الروح القدرة على البقاء على قيد الحياة ، وفي حالة ما تم الانتهاء من التحنيط بشكل صحيح وإذا كان التحنيط ناجحًا فإن الرِن يعني وجود الشخص و روحه إلى الأبد.

 تماما مثل الحفاظ على الاسم ، فالرِن كان يحافظ على الروح ، و تدمير الِرن كان وسيلة للتأكد من تدمير الروح إلى الأبد ، و هذا سبب في أن أسماء بعض الشخصيات المكروهة مثل أخناتون تمت إزالتها بشكل مدمّر من الآثار و النصوص التاريخية بعد موتهم طبقا لهذا الإعتقاد.

 4 - كا : جوهر الحيوية

 كان الكا هو الجوهر الحيوي للشخص و الذي يميز بين حياة هذا الشخص وموته ، ولقد اعتقد المصريون أن إلهة الخصوبة (حيقة) تنفث جوهر ( الكا ) في جسد الطفل وقت ولادته . وقد اعتقدوا أيضا أن الكا تتجدد طوال الحياة من خلال الطعام و الشراب و أنها بحاجة إلى الغذاء بعد الموت ، و هذا هو سبب تقديم الطعام و الشراب إلى المصريين الموتى .

 لم يظن المصريون أن الكا بحاجة إلى تناول الطعام جسديًا لكنهم اعتقدوا أنها تقوم بامتصاص العناصر الغذائية بطريقة غير طبيعية بعد الموت.

 5 - شوييت : الظل

 اعتقد المصريون القدماء أن الشوييت ، أي الظل ، كان في الواقع جزءًا من روح الشخص وأنه كان موجودًا منذ القديم ، وكانوا يعتقدون أنه يحتوي على جزء فريد جدا من الروح .

 و كما هو الحال في العديد من الثقافات الأخرى ، اعتقد المصريون أيضًا أن الظل مرتبط بطريقة ما بالموت ، و كان يُعتقد أن الشوييت خادم لأنوبيس إله الموت المصري وقد كانت الصور الجسدية للشوييت تبدو كشخصية إنسانية مظللة باللون الأسود.

أنوبيس إله الموت المصري
 وكان لدى بعض الناس خلال الجنازات المصرية "صندوق ظل" بين العناصر الجنائزية الخاصة بهم حتى يكون للشوييت مكان يؤوي إليه بعد موته ، و في كتاب الموتى المصري توصف الروح بأنها تترك قبر المتوفى خلال النهار متخذة شكل ظل ، ولا يعتبر هذا الشوييت سوى ظل للشخص الذي يمثله و ليس مظهرا رئيسيا أو نهائيا في العالم المادي للمتوفى .

 6 - ج ب : القلب

 مثلما يؤمن الكثير من الناس اليوم ، فقد ظن المصريون القدماء أن القلب هو موطن أو منبع المشاعر الإنسانية و كان يعتبر أيضًا مركز الفكر و الإرادة و النية . و هذا يعني أن ( ج ب ) ، أو القلب ، كان جزءًا مهمًا جدًا من الروح بالنسبة لهم حيث ظهرت هذه الكلمة في العديد من الأقوال و التعابير في الكتابات المصرية القديمة.

 في حين تشير التعبيرات الإنجليزية غالبًا إلى القلب على أنها استعارة لوصف المشاعر إلا أنه في أقوال المصريين القدماء يشير ذكر القلب إلى القلب المادي . و كعنصر من عناصر الروح فإن (ج ب) كان  هو الجزء الذي اعتمد عليه الشخص للوصول إلى الحياة الآخرة ، و للحفاظ عليه وحمايته يتم تحنيط القلب بشكل خاص ثم يتم وضعه مع باقي أجزاء الجسم.

7 - الآخ أو إخو : النفس الخالدة

 كان الآخ مزيجًا سحريًا من العنصير : با (الشخصية) و كا (جوهر الحيوية) والذي مثل الخلود بعد الموت ، و لن يكون هذا التوحد السحري للـ با و الكا ممكنًا إلا إذا تم تنفيذ الطقوس الجنائزية الصحيحة بعد الموت.

 لم يبق الآخ مع الموتى في عالمهم كما فعلت العديد من عناصر الروح الأخرى السابقة ولكنه عاش بين النجوم مع الآلهة - حسب المعتقد - على الرغم من أنه يعود إلى الجسد في بعض الأحيان إذا لزم الأمر. و لقد كان الآخ تمثيلًا للعقل والإرادة والنوايا وكان أيضًا جانبًا من جوانب الروح التي يمكن أن تتصل بالأحباء و الأقرباء الأحياء من خلال الظهور في أحلامهم.

 8 - ساهو : القاضي و الجسد الروحي

 ساهو كان جانبًا آخر من جوانب الآخ ، وهو ينفصل عن أنواع الأرواح الأخرى .

 و مثل الكثير من الأفكار الحديثة عن الأشباح فقد قيل إن ساهو يطارد أولئك الذين ظلموا شخصًا ما في الحياة و يحمي أحباءه من الأعداء ، و مثلما قد يظهر الآخ في أحلام شخص ما فإن الساهو يمكنه أن يفعل ذلك أيضا.

 و كان الساهو يعتبر في كثير من الأحيان روحا انتقامية حتى أنه يتم إلقاء اللوم عليه عندما تكون هناك حظوظ سيئة.  

9 - سيخِم : طاقة الحياة

 كان سيخِم عنصرًا آخر من عناصر الآخ .. و لا يُعرف الكثير عن سيخِم غير أنه كان يعتبر نوعًا من أنواع طاقة الحياة التي تشكل الروح ، و يُعتقد أن سيخم يكون حاضرا في الحياة الآخرة بجانب الأرواح الأخرى.

 و ربما تم استخدام سيخِم من قبل الكهنة و المشعوذين للتحكم في المحيط المادي و نتائج الإنسان و تصرفاته . وهو مثل الآخ لا يُقيم مع أجساد الموتى وإنما بين النجوم مع الآلهة ..

 تعقيد الروح في الثقافة المصرية القديمة

 إن الطريقة التي قسم بها المصريون القدماء الروح تشير إلى مدى أهميتها لهم ، و كان من الواضح أنه شيء تم التفكير فيه بقدر هائل من التفاصيل بل إنه كان جوهر معتقداتهم حول الحياة الآخرة و كيف يمكنهم الوصول إليها .

 معتقداتهم عن الروح تفسر أيضا الطريقة التي عاملوا بها الجسد بعد الموت .. فالتحنيط مثلا كان جزءا مبدعا من الثقافة المصرية القديمة و كان نتيجة لمعتقداتهم حول الحياة بعد الموت و عن احتياج الروح إلى مكان تعيش فيه.

 وقد أثرت الجوانب التسعة للروح على أجزاء كثيرة أخرى من الثقافة المصرية من إزالة لأسماء الفراعنة و تدمير الرِن إلى إنشاء نصوص فرعونية مثل كتاب الموتى ، ولطالما كانت الروح مفهوما أساسيا في قدر كبير من ثقافة و مجتمع مصر القديمة.


المصدر :
Ancient Origins -

ليست هناك تعليقات