السحر في أوروبا العصور الوسطى



 كان الخوف من السحر و بيع روح الشخص إلى الشياطين لإلحاق الأذى بالناس ظاهرة بالغة القدم أكثر من كونها ظاهرة كانت تحدث في العصور الوسطى حيث بدأت تترسخ بأوروبا في نهاية القرن الخامس عشر.  

 فالسحر هو ظاهرة عالمية ، ولقد حمل كل مجتمع في كل عصر مجموعة من المعتقدات حول مفهوم السحر وفي كل مجتمع كان هناك من يدعي القدرة على تسخير القوى الخارقة للطبيعة أو التلاعب بها ، فحتى اليوم لازال السحر موجودا في حياتنا فبعضنا لديه تميمة أو عقد سحري يرتديه للامتحانات أو المقابلات  ولدى البعض الآخر قطع معينة لإبعاد الحظ السيئ! حتى أنه يوجد في أيسلندا ساحر معترف به من قِبل الحكومة و يدعي القدرة على رؤية المخلوقات الخارقة للطبيعة والتحدث والتفاوض معها . أيضا لا تزال ممارسات السحر الشعبية قائمة في كل مكان ولازال الناس يخشون من أن يتعرضوا للسحر رغم أننا وصلنا إلى زمن بدأت تندثر فيه هذه الاعتقادات. 

 اليوم أصبحنا نعتبر السحر خيالا مفرطا لكن في فترة العصور الوسطى كان يعتقد أن السحر حقيقي و مقبول وأن التعويذة و السحر يمكن أن يغيرا حياة الشخص في بعض الأحيان إلى الأسوأ ، إن لم يكن في أكثر الأحيان للأفضل.

 و كان من المسلم به أن الساحر قادر على القيام بمجموعة من الأشياء المدهشة ، فالتعاويذ السحرية كانت أكثر من مجرد أداة إذ كانوا يستخدمونها للعثور على الأشياء المفقودة ، و الحصول على الحب ، و التنبؤ بالمستقبل ، و شفاء الأمراض ، واكتشاف الكنز المدفون .. وبهذه الطريقة قدم السحر حلولًا للمشاكل اليومية خاصة المشكلات التي لا يمكن حلها من خلال الوسائل التقليدية.

  جريمة الشعوذة


 لكن السحر رغم كل هذه الإيجابيات التي كان يقدمها في العصور الوسطى إلا أنه كان ضد القانون ، وبالتأكيد لن يتسامح معظم الناس مع وجوده أو يؤمنون به ؟ الجواب هو لا في كلتا الحالتين. لم يصبح السحر جريمة حتى تم اتخاذ إجراءات ضده في عام 1542. قبل ذلك كان يتم اعتبار السحر مجرد جنحة أخلاقية وتمت مراقبتها من قبل الكنيسة ، وبما أنه لم يستخدم السحر لإحداث الأذى - كالقتل مثلا - فلم تكن الكنيسة مهتمة بالأمر. 

 في كثير من الأحيان كان السحر يعامل ببساطة كشكل من أشكال الخرافات المنتشرة آنذاك ، و نظرًا لأن الكنيسة لا تتمتع بسلطة فرض العقوبات الجسدية فقد كان يعاقب الساحر عادةً بفرض الغرامات أو في الحالات القصوى يتم إجباره على التكفير عن ذنبه عبر قضاء فترة معينة في المقطرة ( آلة خشبية للتعذيب).  قد تبدو هذه العقوبات بسيطة نسبيا اليوم لكنها كانت أخف بكثير من تلك التي كانت تمارسها المحاكم العلمانية حيث كان التشويه والإعدام العقاب الرئيسي حتى بالنسبة للجرائم البسيطة ، وفي تلك الفترة كان يمكن ممارسة السحر بحرية نسبية طبعا مع قليل من الحذر.

 ومن بين مئات من حالات استخدام السحر المحفوظة في سجلات المحكمة الكنسية في إنجلترا ، هناك عدد من الشهادات التي تزعم أن التعويذات السحرية كانت فعالة.  
 و تقول السجلات التاريخية أن امرأة تدعى " أغنيس هانكوك" كانت تزعم أنها تستطيع أن تشفي الناس عن طريق مباركة ملابسهم ، و إذا كانت مريضتها طفلة حينها تتشاور مع الجنيات ( لم تشرح سبب ميل الجنيات إلى مساعدة الأطفال).  وقد أمرت المحكمة هذه المرأة بوقف تعويذاتها قبل أن تتهم بالهرطقة والتي كانت جريمة يعاقب عليها بالإعدام. تُظهر شهادة " أغنيس" أن مرضاها كانوا راضين في العادة. 

 وفي ذلك الزمن سرت شائعات كثيرة عن "أليس بيررز" عشيقة " إدوارد الثالث" ملك إنجلترا في أواخر القرن الرابع عشر حول توظيفها راهبًا لتلقي شعوذة الحب على الملك إدوارد .. 

 و قامت "إليانور كوبهام" ، دوقة غلوستر ، بتوظيف امرأة ماكرة في أداء سحر الحب ، في الفترة ما بين عامي 1440 و 1441. وفي هذه الحالة كان الهدف من السحر مساعدة الدوقة في حمل طفل، لكن استخدامها للسحر خرج عن السيطرة عندما اتهمت أيضا باستخدامه في التخطيط لموت هنري السادس ملك إنجلترا في القرن الخامس عشر.

 مع تلاشي فترة العصور الوسطى إلى العصر الحديث ، نما الإيمان بالسحر الشيطاني حتى في الثقافة الأوروبية المعاصرة و ظل استخدامه واسع الانتشار ، ولا يزال قائماً في المجتمع اليوم ! 


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق