قرية دارجافس الغامضة .. مدينة الموتى
يشار إليها غالبا باسم مدينة الموتى، وتعتبر قرية دارجافس Dargavs واحدة من أكثر الأماكن غموضا في روسيا .. وجدت هذه المدينة منذ زمن بعيد في إحدى التلال الخمسة في جبال القوقاز وهي عبارة عن مقبرة قديمة مليئة بالمقابر أو السراديب، ومن وراء هذه السراديب قصة شعوب عاشت بجوار هذا المكان ودفنت أحبائها فيه لأسباب ضاعت مع مرور الزمن.
وإنه لمن الغريب أن غموض هذه المدينة ساهم في نسج العديد من الخرافات والأساطير حول ذلك المكان، ففي الماضي رفض السكان المحليون الذهاب إلى تلك المدينة خوفا من أنهم لن يخرجوا منها أحياء !
وإنه لمن الغريب أن غموض هذه المدينة ساهم في نسج العديد من الخرافات والأساطير حول ذلك المكان، ففي الماضي رفض السكان المحليون الذهاب إلى تلك المدينة خوفا من أنهم لن يخرجوا منها أحياء !
وتقول بعض المصادر أن أقدم السراديب يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر، أما عن سبب بنائها فقد قيل أنها بنيت من أجل دفن الناس فيها بسبب الطاعون الذي اجتاح المنطقة وأدى إلى القضاء على كل سكانها.
موقع قرية دارجافس وتارخيها
تقع قرية دارجافس في جمهورية أوسيتيا الشمالية في جنوب روسيا، ويقع موقعها على بعد ثلاث ساعات بالسيارة عبر طرق خطرة و متعرجة، بنيت هذه القرية في وسط وادي جبلي يمتد على طول 17 كيلومترا وتحيطها جبال يصل ارتفاعها الى حوالي 4000 متر تلوح في الأفق فوق القرية.
يعود أول ذكر للموقع إلى بداية القرن الرابع عشر الميلادي عندما استقر أسلاف جمهورية أوسيتيا على سلسلة الجبال هذه، ونظرا إلى أن الأرض كانت باهظة الثمن فقد اضطروا إلى اختيار أكثر الأماكن صعوبة للعيش من حيث الانحدار والرياح القوية التي تهب فوق التل .. ومع ذلك كانت هذه المنطقة في وقت ما مركزًا لأكبر عدد من السكان في أوسيتيا الشرقية.
تبدو المقبرة من الوهلة الأولى وكأنها بقايا قرية من القرون الوسطى ، حيث المساكن صغيرة مجمعة معًا على تل عشبي، لكن إن اقتربت أكثر فلن تجد روحًا حية داخل أي من هذه المنازل .. ذلك لأن السكان كانوا يدفنون موتاهم هنا منذ مئات السنين وفي كل سرداب تم العثور على جماجم و عظام بشرية.
البنية المعمارية لسراديب قرية دارجافس
بنيت قرية دارجافس فوق تل عشبي على شكل مباني بيضاء صغيرة، هذه الهياكل البيضاء الشبيهة بالمنزل عبارة عن قبور حجرية، وهناك ما يقرب من 100 منها ترتفع على سفح التل بطريقة منظمة للغاية. وفي الجزء الخلفي من القرية يوجد برج مراقبة قديم ومدمر تقريبا، تقول الأساطير أن هذا البرج وضع هناك لمراقبة أرواح سكان القرية وحمايتهم .. وتتشكل هذه السراديب على شكل أكواخ ذات أسقف منحنية.
وتتباين هذه السراديب في أحجامها وعلوها، فهناك سراديب يبلغ ارتفاعها من 2 الى 4 طوابق بينما تحتوي السراديب الأصغر على جوانب مسطحة من الأمام، وهناك العديد منها ليس لها أسقف على الإطلاق. ويحتوي كل سرداب منها على قبو جانبي ، أما السقف فيتخذ شكلا هرميا أو مخروطيا بني من حجر الأردواز بحيث جاء على شكل حواف متدرجة، بينما تتكون الجدران من كتل حجرية ممزوجة مع مادة الملاط (الجير أو الجير الطيني) وبها فتحات مربعة تشبه النوافذ مصممة لوضع الجثث في الداخل.
كان الناس الذين عاشوا في الوادي يدفنون عائلاتهم وأحبائهم في هذه السراديب بجانب ملابسهم وممتلكاتهم الأخرى، وكان لكل عائلة سرداب .. وكلما زاد حجم السرداب كلما زاد عدد الأشخاص المدفونين بداخله. كما يحتوي بعضها على غرف تحت الأرض بينما يحتوي البعض الآخر على طابقين أو حتى ثلاثة طوابق حسب عدد أجيال الأسرة التي لديهم. كما توجد سراديب شائعة كانت تستخدم لمن ليس لديهم عائلة أو من كانوا من خارج القرية.
الجماجم والهياكل التي عثر عليها داخل سراديب قرية دارجافس |
غموض وأساطير حول مدينة الموتى
من المثير للإهتمام أن الجثث المكتشفة داخل السراديب كانت موضوعة في هياكل خشبية تشبه القوارب (حتى أن إحداها وجدت مع مجذاف بجانبها) ويقى اللغز هو كيف ولماذا كانت هناك قوارب داخل القبور بينما لا توجد أنهار تصلح للإبحار بالقرب من المكان؟ جاء في أحد التفسيرات أنه كان يعتقد حينها بأن الروح الراحلة يجب أن تعبر أحد الأنهار لكي تصل للجنة .. على غرار قصص الحياة الآخرة في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين .
و هناك حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام وهي أن هناك آبارًا أمام كل سرداب، وقد تم العثور على العديد من العملات المعدنية في الأرض بالقرب من السراديب، يقال أنه عندما كان الأوسيتيون يدفنون موتاهم كانوا يسقطون عملة معدنية في البئر، وإذا حدث أن اصطدمت هذه العملة بحجر في القاع فهذا يعني أن روح المتوفى قد وصلت للجنة !
و تقول إحدى الأساطير التي تحيط بالمقبرة أن أي رجل تجرأ على الدخول إلى هناك لن يخرج حياً مرة أخرى، و يقال أن هذا هو السبب الذي يجعل السكان المحليين لا يزورون قرية دارجافس أبدًا. و تقول أسطورة أخرى أن هذا الموقع حدث أن قامت فيه مجموعة من المحاربين باختطاف فتاة جميلة من أرض بعيدة، و بما أنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على من يأخذها فقد قتلوها .. فعاقبتهم آلهة المرتفعات على قتلهم للفتاة وماتوا ببطء من مرض غريب في هذه المقابر.
تعددت الأساطير التي نسجت حول هذه القرية وعن سبب موت سكانها وعدم اقتراب أي أحد إلى هناك، ولكن بعيدا عن هذا فإن معظم المؤرخين يعتقدون أن وباء أصاب منطقة أوسيتيا في وقت ما بين القرنين السادس عشر و الثامن عشر الميلاديين، حصد هذا الوباء أرواح عشرات الآلاف وأدى إلى انخفاض عدد سكان أوسيتيا من 200,000 في نهاية القرن الثامن عشر إلى 16,000 بحلول منتصف القرن التاسع عشر .
ومن أجل ألا يصيب بعض المرضى جيرانهم ذهبوا مع عائلاتهم وأطفالهم إلى هذه القبور المبنية مسبقًا ولم يخرجوا منها مرة أخرى، وعاشوا على حصص الطعام الضئيلة التي جلبها السكان المحليون لهم و تركت جثثهم لتتعفن داخل تلك الأكواخ عندما ماتوا.
قرية دارجافس اليوم
هناك العديد من " مدن الموتى " المشابهة المنتشرة في جميع أنحاء أوسيتيا ، ولكن تعتبر قرية دارجافس الأكثر إثارة للإعجاب على الأرجح بسبب العدد الكبير من الأضرحة و الجمال الطبيعي المذهل للمنطقة. و خلال الحقبة السوفيتية كان السائحون يأتون لزيارة القرية عبر الحافلة وكان هناك حتى كشك لبيع التذاكر تديره أوسيتيا بابوشكا (جدة روسية).
إن بيئة دارجافس غنية بالمعالم الأثرية من العصر البرونزي إلى أواخر العصور الوسطى وقد زودت علماء الآثار بوفرة من المعلومات حول كيفية عيش الأوسيتيين في المنطقة منذ مئات السنين.
و على الرغم من ثراء الموقع وغموضه وجماله، إلا أنه أصبح مهجورًا هذه الأيام .. وأصبح نادرًا ما يزور السائحون، ليس بسبب اللعنة المرتبطة به، ولكن ربما لصعوبة الوصول لتلك القرية.
التعليقات على الموضوع