هيكل سليمان ما بين الأسطورة والحقيقة


كان سليمان بن داود - عليهما السلام - نبيا من أنبياء بني إسرائيل، وكان ملكا عظيما له جاه وسلطان و ملك وأعوان، فقد أوتي سليمان حكمة وغنى لم يسبقه أحد إليهما من قبله أو من بعده، وذكر سليمان في القرآن الكريم وفي التلمود اليهودي أيضا (كتاب اليهود المقدس بجانب التوراة)، كان أول ما باشر سليمان بفعله بعد توليه منصب الحكم في مملكته هو بناء الهيكل أو المعبد المقدس في أورشليم في أرض فلسطين.

لقد ورد ذكر هيكل سليمان في كتاب الله، قال تعالى في سورة الإسراء: ((وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)).

و هيكل سليمان، و المعروف أيضا باسم " المعبد الأول " أو بيت همقدش بالعبرية، أو بيت المقدس بالعربية، كان بمثابة المعبد المقدس الأول في أورشليم والذي تم بناؤه بغية أداء العبادة لله كما هو الحال مع مساجد المسلمين، كما أنه يعتبر المكان الذي تواجد فيه تابوت العهد وهو التابوت الذي يحوي الألواح الحجرية التي كتبت عليها الوصايا العشر لموسى عليه السلام والتي أوحى الله بها اليه لتكون الشريعة الدينية لبني إسرائيل.

وطبقا لما ذكرته المراجع التاريخية فقد دمر هذا المعبد عندما غزى البابليون أورشليم تحت قيادة نبوخذ نصر الثاني في القرن السادس قبل الميلاد، وقد سعى علماء الآثار إلى الكشف عن بقايا هذا المعبد لعدة قرون، ومع ذلك لم يتم العثور على شيئ يذكر إلا مؤخرًا .. حيث عثر علماء الآثار على أول دليل حقيقي يدل على وجود معبد النبي سليمان.

الأصل التاريخي لهيكل سليمان

هيكل سليمان
بناء تقريبي للشكل الأصلي لهيكل سليمان
لطالما لف الغموض قصة معبد سليمان، فهو بناء تاريخي تشهد العديد من المصادر المكتوبة أنه كان موجودا في زمن الملك سليمان وهذا من جهة، ولكن من جهة أخرى لم يبقى له وجود فعلي الآن في أي مكان من أورشليم، في حين يدعي اليهود أن أنقاض المعبد هي تحت الحرم القدسي الشريف بالضبط .. وكثيرا ما طالبوا بهدم هذا المسجد بغية إعادة بناء المعبد الذي يزعمون بوجوده هناك.

كل ما نعرفه عن هيكل سليمان أتى إلينا من كتاب " التناخ " ( والمعروف أيضا باسم الكتاب المقدس العبري أو التوراة أو العهد القديم كما يسميه المسيحيون). وقد ورد ذكر هيكل سليمان في أسفار من متعددة من التوراة، ابتداءا ورد ذكره في سفر الملوك الأول، وأيضا في سفر صموئيل الثاني.

وعلى الرغم من أن بناء الهيكل كان على يد النبي سليمان - عليه السلام، إلا أن فكرة بنائه كانت من طرف أبيه النبي داود والذي لسبب ما لم يستطع بناءه بنفسه فأوكل مهمة بنائه إلى ابنه و وريثه في الحكم الملك سليمان، حيث قام الملك سليمان ببناءه للمرة الأولى مباشرة بعد تنصيبه حاكما على بني إسرائيل في أورشليم القديمة .. واستغرق بناء هذا المعبد حسب ما ذكرت المصادر التاريخية 16 عاما (من السنة الرابعة بعد توليه العرش وحتى السنة العشرين) وبعدها نقل الملك سليمان تابوت العهد والأحجار التي كتبت عليها وصايا النبي موسى و وضعها داخل المعبد.

أما بالنسبة لموقع بناء الهيكل فقد كان حيث بني الحرم القدسي الشريف أو بجواره، وهذا المكان العظيم هو نفسه حيث طلب من نبي الله إبراهيم الخليل أن يحضر ابنه البكر إسحاق ليقدم كذبيحة لله، وكان هذا الحدث قبل عدة أجيال سبقت فترة حكم داود وسليمان، وكان النبي داود قد اشترى هذه الأرض من رجل يدعى أرونا اليبوسي، وقد ذكر ذلك الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام في قوله: ((أوحى الله إلى سليمان بن داود أن يبني بيت المقدس وكانت أرضا لرجل فاشترى منه الأرض)).

بناء الهيكل وهدمه

لقد ذكرت المصادر التاريخية أن الهيكل تم بناؤه وهدمه ثلاث مرات، فقد تم تدمير مدينة القدس والهيكل عام 587 قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر ملك بابل و سبي أكثر سكانها، وأعيد بناء الهيكل حوالي 520-515 قبل الميلاد وهُدم الهيكل للمرة الثانية خلال حكم المكدونيين على يد الملك أنطيوخوس الرابع بعد قمع الفتنة التي قام بها اليهود عام 170 قبل الميلاد، وأعيد بناء الهيكل مرة ثالثة على يد هيرودوس الذي أصبح ملكاً على اليهود عام 40 ق.م بمساعدة الرومان . وهدم الهيكل للمرة الثالثة على يد الرومان عام 70 م ودمروا القدس بأسرها.

تعتبر غرفة قدس الأقداس الجزء الأهم من المعبد، ففي معظم المعابد في الشرق الأدنى خلال ذلك الوقت كان يوجد تمثال للعبادة، ولكن وبعكس تلك المعابد لم يكن معبد سليمان يحوي تماثيل، ولكن كان به تابوت العهد موضوعا في غرفة قدس الأقداس ليبقى محفوظا.

بعد وفاة الملك داود بدأ سليمان في بناء الهيكل الذي لطالما حلم والده ببنائه، وقد ورد في سفر أخبار الأيام الأول أن داود جمع مواد بناء هذا المشروع بنفسه قبل وفاته، مما يدل على رغبته الكبيرة في بنائه للهيكل المقدس، ولكن من ناحية أخرى فقد ورد في سفر الملوك أن المواد جمعها سليمان نفسه، وعموما فقد كانت هذه المواد هي خشب الأرز والتنوب والتي تم الحصول عليها من لبنان في عهد حيرام ملك صور الفينيقي الذي أرسل لسليمان كبار صناعه من أجل المساعدة في بناء المعبد . أما بالنسبة للقوى البشرية التي أستخدمت في البناء فقد فرض سليمان على إسرائيل ضريبة تقضي بأن يشاركوا في بناء الهيكل بدورهم.

ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم يخبرنا، كما يعلم السادة القراء، أن سليمان عليه السلام لم يؤتى حكم البشر فقط ولكن أيضا كان يحكم الجن والشياطين، وذلك بتمكين من الله العلي القدير، وهم أيضا أستخدموا لبناء هيكل سليمان جنبا الى جنب مع البشر. 

لقرون عديدة حاول كثير من الناس العثور على أدلة تثبت وجود هذا المعبد القديم، ولكن دون جدوى .. فوجود المسجد الأقصى من العوامل التي تجعل من الصعب إجراء الحفريات الأثرية. ومع ذلك فقد أعلن مؤخرا أنه بدأت أعمال تنقيب بإذن من المنظمة الإسلامية التي تدير المسجد الشريف، والذي أسفر عن اكتشاف قطع أثرية من زمن معبد سليمان، وهذا ما يوفر أدلة إضافية على وجوده!

ليست هناك تعليقات