مدينة البندقية .. المدينة العائمة




تشتهر مدينة البِنِدُقية (أو Venice) بإيطاليا بعدة أسماء ، منها اسم المدينة العائمة ، و يرجع هذا إلى أن مدينة البندقية تتكون من 118 جزيرة صغيرة متصلة بالعديد من القنوات والجسور ،  ومع ذلك لم يتم بناء المباني في مدينة البندقية مباشرة على الجزر ، إنما تم بناؤها على منصات خشبية مغروسة في الأرض.

تطل مدينة البندقية على البحر الأدرياتيكي و تعتبر من أهم المدن الإيطالية ومن أكثر المدن جمالاً في إيطاليا لما تتمتع به من مبانٍ تاريخية يعود أغلبها إلى عصر النهضة في إيطاليا ، كما تتميز البندقية بقنواتها المائية المتعددة ما يجعلها فريدة من نوعها على مستوى العالم.

تاريخ مدينة البندقية

تبدأ قصة مدينة البندقية في القرن الخامس الميلادي بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية حين كان البرابرة يهاجمون مناطق روما السابقة من الشمال ، وخوفا من هذه الغارات هرب سكان مدينة البندقية في البر الرئيسي إلى الأهوار القريبة ، و وجدوا ملجأً لهم في جزر Torcello و Iesolo و Malamocco الرملية. 

وعلى الرغم من أن تلك المستوطنات كانت مؤقتة في البداية بالنسبة لسكان البندقية إلا أنهم استطونوها تدريجيا حتى صارت موطنهم ، و من أجل أن تقوم المباني التي شيدوها على أساس متين قاموا أولا بوضع أعمدة خشبية في الأرض الرملية ثم تم بناء منصات خشبية على رأس هذه الأعمدة ، بعدها تم بناء المباني على هذه المنصات ، و استخدموا حينها كميات كبيرة من الخشب عبر إحضارها من غابات سلوفينيا و كرواتيا و الجبل الأسود وتم نقلها إلى مدينة البندقية عن طريق المياه.


و كمدينة محاطة بالمياه فقد كانت البندقية تتمتع بمزايا عديدة على جيرانها من المدن ، حيث أنها كانت آمنة من غزوات الأعداء .  على سبيل المثال ، حاول الأمير بيبين ، ابن الملك شارلمان حاكم الإمبراطورية الرومانية ، غزو البندقية لكنه فشل لأنه لم يتمكن من الوصول إلى الجزر التي بنيت عليها المدينة.

على مدار القرون القليلة التالية تطورت مدينة البندقية وأصبحت مركزا تجاريا ، و قامت بأعمال تجارية مع العالم الإسلامي بالإضافة إلى تحالفاتها مع الإمبراطورية البيزنطية ، و في عام 992 حصلت البندقية على حقوق تجارية خاصة مع الإمبراطورية البيزنطية مقابل قبول السيادة البيزنطية عليها ، فأصبحت المدينة أكثر ثراءً ، و حصلت على استقلالها في عام 1082.

وأصبحت البندقية في النهاية قوة بحرية كبيرة في البحر الأبيض المتوسط ، ففي عام 1204 تحالفت البندقية مع الصليبيين و نجحت في الاستيلاء على العاصمة البيزنطية ، القسطنطينية . و رغم ذلك بدأت قوة مدينة البندقية في الانخفاض خلال القرن الخامس عشر ، إلى أن استولى عليها نابليون في نهاية المطاف عام 1797 عندما غزا إيطاليا.

اليوم تشكل البحيرة التي كانت تحمي مدينة البندقية من عدد لا يحصى من الغزاة الأجانب أكبر تهديد لبقائها ، وذلك بسبب الفيضانات القوية التي تحدث أحيانا ، حيث يرتفع منسوب المياه في المدينة عشر مرات في السنة.  و تُعرف هذه الفيضانات باسم aqua alta (ارتفاع الماء) و تحدث عمومًا بسبب المد و الجزر المرتفعان بشكل غير عادي بسبب الرياح القوية و العواصف و الأمطار الداخلية الشديدة .

و أصبحت هذه الفيضانات تحدث بشكل متكرر بوتيرة متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ ، وقد بدأ هذا بإزعاج سكان مدينة البندقية .  وبالتالي تم اقتراح عدد من الحلول لإنقاذ البندقية من الغرق ، ويعتبر مشروع Modulo Sperimentale Elettromeccanico أو الوحدة التجريبية الكهروميكانيكية أحد تلك الحلول المقترحة للوقف من حدة تلك الكوارث ، و يسعى هذا المشروع لبناء 79 بوابة فيضان متنقلة تفصل البحيرة عن البحر الأدرياتيكي عندما يتجاوز المد ارتفاع متر واحد فوق علامة الماء المرتفعة المعتادة .

ومع ذلك يشك بعض المراقبين المتشائمين لمستوى مياه المدينة في أن مثل هذه الإجراءات لن تكون كافية للحفاظ على مدينة البندقية إلى الأبد ، وأن المدينة ستغرق في النهاية تمامًا مثل مدينة أطلانتس الأسطورية.

ليست هناك تعليقات